تحميل كتاب منطق ابن خلدون pdf الكاتب علي الوردي - اقرأ كتابك

+ حجم الخط -

منطق ابن خلدون. المؤلف علي الوردي يعد ابن خلدون من أعظم المفكرين في العالم، وصاحب سلسة الشهيرة المقدمة ابن خلدون. وقد جاءت شهرته من كونه أول من درس المجتمع البشري بطريقة واقعية، حيث خرج بها عن الطريقة الوعظية التي كانت مسيطرة على الأذهان طيلة القرون القديمة والوسطى. لقد كثرت الدراسات حول ابن خلدون في الآونة الأخيرة، ومما يلفت النظر بصفة خاصة أن بعض الباحثين العرب أولع بعقد المقارنات بينه وبين رواد علم الاجتماع في العصر الحديث.



ملخص كتاب منطق ابن خلدون علي الوردي


 من أمثال متكافلي وهيغل وماركس، وكان قصدهم من ذلك في الغالب أن يظهر ما كان لابن خلدون من فضل، وأسبقية على أولئك الرواد في تأسيس علم الاجتماع. وإني إذ أقدم اليوم بحثي حول ابن خلدون لا أريد أن أسير به على نفس المنهج الذي سار عليه هؤلاء الباحثون. إن بحثي سيدور حول ناحيتين من نظرية ابن خلدون الأولى دراسة المنطق الذي جرى عليه تفكير ابن خلدون عند إنشاء نظريته، والثانية دراسة العوامل الفكرية واللا فكرية التي ساعدته على إنشائها.


تحميل كتاب منطق ابن خلدون pdf الكاتب علي الوردي - اقرأ كتابك

كتب للمؤلف علي الوردي أيضأ

كتاب مهزلة العقل البشري

كتاب وعاظ السلاطين

كتاب خوارق اللاشعور


 خصائص المنطق القديم


 لكي نفهم موقف ابن خلدون من المنطق القديم. يجب أن نعرف شيئا عن طبيعة هذا المنطق وخصائصه. ومما يجدر ذكره أن هذا المنطق كان في بداية أمره خطوة تقدمية في تاريخ الفكر البشري، إذ كان أول محاولة لتنظيم الفكر ووضع القواعد له. والواقع أن أرسطو طاليس الذي يعزى إليه فضل وضع المنطق كان من أصحاب العقول الجبارة التي يندر ظهورها في التاريخ. ولكن المشكلة في منطق أرسطو هي كمشكلة أي نظام فكري أو اجتماعي عظيم، حيث يبدأ نشيطا صالحا، ثم ينحدر شيئا فشيئا نحو الجمود والفساد. أخذ المفكرون في العصور الوسطى ينظرون إلى منطق أرسطو نظرة إعجاب أو تقديس، مما حدا بهم إلى اعتبار القالب الذي صبه فيه أرسطو قالبا نهائيا لا يجوز تغييره أو التشكيك في صحته.


وسنحاول فيما يلي شرح صفتين رئيسيتين من الصفات التي تميز بها المنطق الأرسطي وهما أنه منطق صوري ومنطق استنباطي. صورية المنطق حين نصف المنطق الأرسطي بأنه صوري، نقصد بذلك أنه يهتم بصورة الشيء ويهمل مادته. وأوضح تطبيق لهذا المنطق جاء في الهندسة حيث يهتم المهندسون بالشكل الذي تظهر فيه الأشياء كالـهرم والمخروط والأسطوانة. ولا يبالون بالمادة التي تتكون منها هذه الأشكال. 


ولما رأى المناطقة نجاح منطقهم في ميدان الهندسة أو غيرها من العلوم الرياضية، ظنوا أنهم سينجحون كذلك في جميع الميادين الفكرية، ولهذا وجدنا بحوثهم الميتافيزيقية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية وغيرها مطبوعة كلها بطابع المنطق الصوري. فهم إذا بحثوا في العدل مثلا تصوروه كما يتصورون الهرم أو المثلث شيئا قائما بذاته له صفات ثابتة. 


وهم يأخذون بالبحث فيه والمناقشة حوله كما هو في صورته المجردة، دون أن ينظر في محتواه الاجتماعي أي مادته التي تتألف من الوقائع الجزئية والتي تتغير بتغير الظروف المحيطة بها. الحق أن أرسطو عندما وضع المنطق لم يكن قاصدا هذا، فقد كان يؤكد في بحوثه على أهمية البحث في مادة الفكر علاوة على صورته. فالمادة والصورة في رأيه لا ينفصلان. 


استنباطية المنطق، ونقصد بذلك أنه يبدأ البحث بالاعتماد على كليات عقلية عامة، ثم يستنبط منها النتائج الجزئية الخاصة. وأهم طريقة يستخدمها المنطق الأرسطي في الاستنباط هي ما يسمى بالقياس والقياس يتألف عادة من ثلاثة أجزاء هي المقدمة الكبرى والمقدمة الصغرى والنتيجة. والمشكلة في المنطق الأرسطي أنه يعتمد في قياسه غالبا على مقدمات يعدها بديهيات ثابتة الصدق ولا يجوز الشك فيها.


وهي عنده ما تقتضيها الضرورة العقلية التي لا تحتاج إلى برهان كمثل أن نقول كل إنسان فان أو أن الكل أكبر من الجزء. أقول إن في هذا مشكلة لأن المقدمات المنطقية ليست كلها من الطراز البديهي الذي لا يحتاج إلى برهان ولا يجوز فيه الشك. اتضح لدى علماء الاجتماع أن ما نعده من البديهيات العقلية هو من الأمور النسبية، إذ هي خاضعة للمألوفات الاجتماعية والتطورات العلمية، فرب أمر نعده اليوم بديهيا، ثم يتبين لنا أنه مما يجوز الشك في صحته وضرورته العقلية. لقد أصبح العلم الحديث يقوم على مبدأ الاحتمال.


 بينما كان المنطق القديم يقوم على مبدأ يقين وشتان بين المبدأين. إن المنطق الأرسطي يعتمد على مسلمات يفترض فيها الصدق المطلق، وهو بذلك يعد النتائج المستنبطة منها بالقياس الصحيح لا بد أن تكون يقينية لا شك فيها. أما العلم الحديث فمن شأنه أن يشكك في كل شيء، وهو لذلك يستخرج نظرياته وقوانينه من استقراء الوقائع الجزئية وهو يعود ليعلن أن صدق النظريات والقوانين التي استخرجها محدود بحدود الوقائع التي استخرجت منها، وربما ظهرت وقائع جديدة تجعل تلك النظريات والقوانين في حاجة إلى تبديل أو تحوير.


مبادئ المنطق الأروسطي


ثلاثة مبادئ أساسية هي العقلانية، وهو يعني:

  1. الثقة المطلقة بالعقل وبمقدرته على اكتشاف الحقيقة. 
  2. مبدأ السببية ومعناه أن جميع حوادث الكون تخضع لقانون صارم هو تعاقب السبب والنتيجة أو العلة والمعلول. 
  3. مبدأ الماهية. وهذا المبدأ في مجمله يقول بأن للشيء ماهية ثابتة لا يمكن أن تتغير أو تتناقض مع نفسها. 

ويتضمن المبدأ ثلاثة قوانين هي التي تعرف عند المناطقة باسم قوانين الفكر وهي.


  • أولا قانون الذاتية. 
  • ثانيا قانون عدم التناقض. 
  • ثالثا قانون الوسط المرفوع. 

وتعتبر هذه القوانين وجوها مختلفة لمبدأ الماهية. فالقانون الأول ينص على أن الشيء هو، هو. أي أنه في حقيقته لا يتغير بمرور الزمن، ذلك أن فيه خصائص ومميزات تبقى ثابتة خلال التغير. أما القانون الثاني فينص على أن الشيء لا يمكن أن يجتمع فيه النقيضين، فهو مثلا إما حسن أو قبيح. أما القانون الثالث فينص على أنه ليس هناك وسط بين النقيضين. 


ابن خلدون والمنطق الأروسطي


بعد وفاة ابن تيمية بأربع سنوات ولد صاحبنا ابن خلدون. ونلاحظ في مقدمة ابن خلدون كثيرا من الآراء التي جاء بها ابن تيمية والتي جاء بها الغزالي في نقد العقل والمنطق. وهذه الآراء قد ترد في المقدمة أحيانا بألفاظ تشبه ألفاظ ابن تيمية والغزالي، وقد ترد أحيانا بألفاظ مختلفة مع الاحتفاظ بالمعنى. 


ابن خلدون ومبدأ السببية


يذهب الدكتور صليبا والدكتور كامل عياد إلى القول بأن ابن خلدون خالف الغزالي في مبدأ السببية، وهما يستندان في ذلك على عبارتين وردتا في المقدمة ابن خلدون، هما. أولا إن الطبيعة لا تترك أقرب الطرق في أفعالها وترتكب الأعوج والأبعد. ثانيا وهكذا كان حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب. وهم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء ولكنه أجرى الأمور على مستقر العادة.


 يغلب على ظني أن في هاتين العبارتين، لاسيما الثانية منهما ما يؤيد رأي الغزالي في السببية. الغزالي لا يعتبر السببية قانونا طبيعيا صارما، بل يعتبرها عادة شاء الله أن تجري في الكون وهو قادر على خرقها أو تبديلها. وعبارة ابن خلدون الثانية تشير إلى رأي الغزالي هذا حيث جاء فيها، ولكنه أجرى الأمور على مستقر العادة. وعلاوة على ذلك، نجد ابن خلدون يرى في المعجزات والكرامات والخوارق السحر عين الرأي الذي قال به الغزالي إذ هي في نظره خرق لمبدأ السببية.


 ابن خلدون ومبدأ العقلي


يظهر أثر الغزالي في ابن خلدون هنا أكثر من ظهوره في شأن مبدأ السببية. فابن خلدون يرى كما الغزالي أن العقل البشري محدود، وأنه غير قادر على النظر في حقائق الكون إلا ضمن نطاق معين لا يجوز أن يتعداه. وقد ورد هذا الرأي في كتاب المقدمة ابن خلدون، بصور شتى ومواضع متعددة. يقول ابن خلدون في أحد هذه المواضع ولا تثق بما يزعم لك الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها والوقوف على تفصيل الوجود كله، وسفه رأيه في ذلك. 


واعلم أن الوجود عند كل مدرك في بادئ رأيه منحصر في مداركه لا يعزوها، والأمر في نفسه بخلاف ذلك والحق من ورائه. ولو سئل الحيوان الأعجم ونطق لوجدناه منكرا للمعقولات وساقطة لديه بالكلية. فإذا علمت هذا فلعل هناك ضربا من الإدراك غير مدركاتنا لأن إدراكاتنا مخلوقة محدثة. لا شك أن ابن خلدون اقتبس هذا الرأي من الغزالي. إذ تلاحظ شبها لا يستهان به بين عبارات الغزالي. وعبارات ابن خلدون، ولكن ابن خلدون ذهب في نقد العقل إلى أبعد مما ذهب إليه. الغزالي. 


حيث الغزالي يعتقد أن العقل عاجز عن فهم الأمور الإلهية. أما ابن خلدون فيعتقد أن العقل قاصر على فهم الأمور الاجتماعية، علاوة على الأمور الإلهية. وقد كان الغزالي يرى أن المختصين في العلوم العقلية كلما تعمقوا فيها قصرت بصيرتهم عن فهم العلوم الإلهية. ويأتي ابن خلدون ليقول عنهم إن بصيرتهم قاصرة أيضا عن فهم السياسة وغيرها من أمور المجتمع.


عقد ابن خلدون فصلا في مقدمته بعنوان في أن العلماء من بين البشر أبعدوا عن السياسة ومذاهبها. وهو يقصد بالعلماء أولئك الذين يتبعون في علومهم. القياس المنطقي يقول عنهم إنهم اعتادوا في حياتهم العلمية أن يغوص في المعاني فينتزعها من المحسوسات ويجردوها في الذهن أمورا كلية عامة. وقد دأبوا أن يطبقوا هذه الكليات العامة على السياسة وغيرها من شؤون المجتمع، ولهذا نجدهم يفشلون فشلا ذريعا. إن السياسة في نظر ابن خلدون يحتاج صاحبها إلى مراعاة أحوال العمران كما هي في واقعها الخارجي، وكثيرا ما تكون الكليات العقلية العامة مخالفة لـ الجزئيات الخارجية الواقعية. 


ولهذا كان الرجل العامي ذو الطبع السليم والذكاء المتوسط أكثر نجاحا في السياسة من العالم المتمنطق. ويعلن ابن خلدون رأيه بجلاء أكثر في فصل آخر من مقدمته، وهو الذي جاء بعنوان في إبطال الفلسفة وفساد منتحليها، فهو يذكر فيه كيف أن المنطق الذي يتبعه الفلاسفة قاصر من ناحيتين الأولى ناحية النظر في الألوهية، والثانية من ناحية النظر في الموجودات الجسمانية، وهي التي يسميها الفلاسفة بالعلم الطبيعي. ووجه قصور المنطق في هذه الناحية أن النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة غير يقينية، وهي لا تتطابق مع ما هو موجود في الخارج.


 ابن خلدون وابن تيمية


يجوز أن نقول إن ابن خلدون توصل إلى رأيه الآنف الذكر بعد أن مزج بين رأي الغزالي ورأي ابن تيمية وأنتج منهما رأيا جديدا يلائم مزاجه الاجتماعي. كان ابن تيمية يرى أن البرهان المنطقي القائم على الكليات العقلية لا يوصل إلى علم يقيني، إنما هو يوصل إلى أمور ظنية مقدرة في الأذهان فقط.


والعلم الحق عند ابن تيمية هو الذي يستمد أحكامه من الأشياء الجزئية المتعينة بوجودها الخارجي. ابن تيمية في هذا الصدد تعبير طريف حيث ميز بين الإمكان الذهني والإمكان الخارجي. فالأول منهما يستند على التفكير المجرد بينما الثاني يستند على الاستقراء الحسي. مما يلفت النظر أن ابن خلدون يأتي في أحد فصول مقدمته بمثل هذا التمييز بين الإمكانين، لكنه يسمي الأول منهما الإمكان العقلي المطلق، ويسمي الثاني الإمكان بحسب المادة التي للشيء. 


وهو يذكر هذا التمييز في معرض الحديث عما اعتاد الناس عليه من تكذيب أي خبر غير مألوف لديهم. فإذا سمع الناس بحدث غريب يقع في أمة بعيدة، وهم لم يعتادوا على مشاهدته في مجتمعهم، مالوا إلى تكذيبه والسخرية منه، كمثل ما حدث مع ابن بطوطة عندما ساح في البلاد النائية، وجاء لقومه عنها بأخبار غريبة لم يألفوا فأنكروها عليه. يأتي ابن خلدون في هذا الصدد بمبدأ على شكل نصيحة للقارئ فيقول ولا تنكرن ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله. ستضيق حوصلتك عند ملتقط الممكنات، فكثير من الخواص إذا سمعوا أمثال هذه الأخبار عن الأمم السابقة بادر بالإنكار، وليس ذلك من الصواب، فإن أحوال الوجود والعمران متفاوتة ومن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى، فلا يحصر المدارك كلها فيها. 


ابن خلدون وقوانين الفكر النظرية والمنطق


ذكرنا المبادئ الأساسية التي يقوم عليها بناء المنطق الصوري فكان منها مبدأ الماهية، وقلنا إن هذا المبدأ يحتوي على قوانين ثلاثة هي التي تسمى لدى المناطقة بقوانين الفكر، وهي قانون الذاتية، قانون عدم التناقض، قانون الوسط المرفوع.


وحين ندرس نظرية ابن خلدون نجد أنها قائمة على نقض هذه القوانين لا سيما القانونين الأول والثاني منهما. ويصح القول إن الجانب السكوني منها قائم على نقض قانون عدم التناقض، والجانب الحركي قائم على نقد قانون الذاتية. يقول قانون عدم التناقض إن الشيء إذا كان حسنا، فإنه لا يمكن أن يكون قبيحا. 


فالنقيضان لا يجتمعان كما يقول أصحاب المنطق القديم. أما ابن خلدون فقد أشار في الجانب السكوني من نظريته إلى ما يخالف هذا القانون، فهو عندما درس البداوة ذكر لها صفات متناقضة تجمع الحسن والقبح معا. البدو صالحون وطالحون في الوقت ذاته، وذلك تبعا للجهة التي تنظر منها إليهم. وكذلك يكون الحضر في نظر ابن خلدون.


 ابن خلدون والدورة الاجتماعية


يعتقد ابن خلدون أن تاريخ المجتمع البشري يسير في دورات متتابعة من جراء التصارع بين البدو والحضر، فما دام المجتمع منقسما إلى فئتين هما البدو والحضر، وما دام كل من هاتين الفئتين ذات صفات مضادة لصفات الفئة الثانية، فلا بد أن يقع الصراع بينهما على وجه من الوجوه، فالبدو لا يستطيعون أن يشهد الحضر متنازعين بترف المدينة، بينما هم قابعون في باديتهم القاحلة. إنهم محاربون أقوياء والحضر تجاههم مترفون جبناء. 


ولا بد أن يأتي اليوم الذي يهجم فيه البدو الشجعان على الحضر المترفين ينهبونهم أو يسيطرون عليهم حيث يؤسسون الدول والأسر الحاكمة. ولكن البدو بعد أن يتنعموا بترف الحضارة يبدأون بالتدريج يفقدون صفاتهم القوية وخشونتهم وعصبتيهم، وبهذا تضعف الدولة التي يؤسسونها لها شيئا فشيئا، فهي تغتنم الفرصة أولئك البدو الذين لا يزالون في البادية محافظين على صفاتهم الأصلية، فيهاجمون الدولة التي فقدت قوتها ويؤسسون مكانها دولة جديدة، وهكذا يدور تاريخ المجتمع.


إن الدورة الاجتماعية في رأي ابن خلدون محتومة لا مفر منها، والدول جميعا تخضع لها، فليس هناك دولة تبقى إلى الأبد قوية لا يغلبها غالب. فكل دولة لها عمر كعمر الأفراد تبدأ فيه نشيطة مزدهرة ثم تهرم ثم تموت. ولا بد للدولة مهما كانت من نهاية تموت فيها كما يموت الفرد.


 ابن خلدون والعرب


ذكر ابن خلدون العرب في بعض فصول كتاب المقدمة ابن خلدون، فوصفهم فيها وصفا يبدو فيه الذم والانتقاص. ففي أحد الفصول قال إن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب. وفي فصل آخر قال إن العرب أبعد الناس عن سياسة الملك. وفي فصل ثالث قال إن المباني التي يخطط لها العرب يسرع إليها الخراب. وقد دفعت هذه الأقوال بعض الباحثين إلى القول بأن ابن خلدون كان شعبويا بربريا أراد بها الانتقاص من شأن العرب وذمهم. 


مما أثار انتباهي في مقدمة ابن خلدون أنه حين يذكر صفات البداوة في محاسنها ومساوئها يأتي بها تحت اسم البدو، ولكنه حين يذكر صفات البداوة وفي مساوئها فقط يأتي بها تحت اسم العرب، ونحن نكاد نلاحظ سبب ذلك حين ندرس الفصل الثاني من الباب الثاني في مقدمته، وهو الفصل الذي قسم فيه البداوة إلى درجاتها الثلاث حسب شدة توغلها في حياة الصحراء وبعدها عن خصائص الحضارة. 


ففي هذا الفصل يذكر ابن خلدون الأمم البدوية المختلفة من فرس وتركمان وكرد وبربر وعرب، ويحاول توزيعهم على تلك الدرجات الثلاث، وهو يشير في نهاية الفصل إلى أن العرب هم أكثر من غيرهم توغلا في حياة الصحراء واختصاص بالإبل. يتضح من هذا أن ابن خلدون حين يذكر العرب لم يكن يقصد بهم البدو بوجه عام، إنما كان يقصد بهم النموذج الأقصى للبداوة، وهو النموذج الذي يكون أشد من غيره بعدا عن خصائص الحضارة كالعلم والصناعة والعمران.


ومن جملة ما وصف ابن خلدون به العرب قوله إنهم أمة وحشية. وهذا التعبير يقصد به ابن خلدون معنى غير الذي نقصده. نحن الذين نعيش في العصر الحديث، فقد اعتدنا أن نعد التوحش في الأمم صفة مذمومة. والواقع أن ابن خلدون كان يعني بـتوحش سكن الصحراء والتوغل فيها بعيدا عن الحضارة، وهذا في اصطلاح ابن خلدون ليس ذما، إنما هو وصف موضوعي يراد به الذم من وجهة نظر الحضارة، ويراد به المدح من وجهة نظر البداوة. ومعظم الأمور في رأي ابن خلدون نسبية في هذا المنوال.


 ابن خلدون ومنطق الفقهاء


رأي ابن خلدون في الملك. اعتاد الكثيرون من الفقهاء على التفريق بين الخلافة والملك، فاعتبروا الخلافة خيرا والملك شرا، وذلك على دأبهم في التجريد المنطقي الذي يضع الأمور في صنفين متضادين لا ثالث لهما. أما ابن خلدون فهو يرى في الملك رأيا آخر، فالملك في رأيه لا يجوز أن يكون شرا مذموما على وجه مطلق. إنه كغيره من ظواهر الحياة الاجتماعية قد يكون خيرا أو شرا تبعا للناحية التي تنظر منها إليه. 


يقول ابن خلدون في هذا ما نصه واعلم أن الشرع لم يذم الملك لذاته ولا حظر القيام به، وإنما ذم المفاسد الناشئة عنه من القهر والظلم والتمتع بالذات. ولا شك أن في هذه مفاسد محظورة وهي من توابعه. كما أثنى على العدل والنصرة وإقامة مراسيم الدين والذب عنه، فإنما وقع الذم للملك على صفة وحال دون حال أخرى، ولم يذم لذاته ولا طلب تركه.


العوامل المتنوعة التي أسهمت في تكوين نظرية ابن خلدون 


حين نقرأ ترجمة حياة ابن خلدون، كما كتبها بنفسه في كتاب التعريف، نلاحظ بوضوح أنه كان واقعا تحت تأثير نزعتين قويتين متضادتين. هما كما قال الأستاذ ساطع الحصري حب المنصب والجاه من ناحية وحب الدرس والعلم من الناحية الأخرى. وهناك شيء آخر نلاحظه في سيرة ابن خلدون المزدوجة هذه هو أنه لا يكاد ينهمك في السياسة مدة من الزمن حتى يحاول اعتزال السياسة في نهايتها لينشغل في طلب العلم، فهو يحب السياسة والعلم معا، ويجد في كل منهما لذة خاصة به. 


نشأ ابن خلدون في عائلة كانت تراودها نزعة السياسة من جهة، ونزعة العلم من جهة أخرى، وقد ورث ابن خلدون هاتين النزعتين من أسرته. تأثر ابن خلدون باثنين من العلماء والأدباء الذين تتلمذ عليهم في بداية حياته، وهما عبد المهيمن، وهو كما يصفه ابن خلدون إمام المحدثين والنحات في المغرب، وقد لازمه ابن خلدون وأخذ عنه سماعا وإجازة أمهات كتب الحديث كالصحاح الست وموطأ. وثانيهما إبراهيم الآبلي، وقد وصفه ابن خلدون بأنه شيخ العلوم العقلية، وقد أخذ عنه المنطق وفنون الفلسفة. 


ومما يلفت النظر في الآبلي أنه كان يشتغل بالعلوم العقلية، في الوقت الذي كان المغرب فيه تسيطر عليه نزعة قوية ضد تلك العلوم، وكان الناس يعدونها من قبيل الزندقة. كان ابن خلدون يطمح إلى تأسيس إمارة صغيرة لنفسه وأسرته ليعيد بها مجد أسرته القديم، والظاهر أنه وجد نفسه في نهاية المطاف فاشلا مخذولا، فأخذ يتأمل في أسباب فشله. ويمكن القول إنه أثناء هذا التأمل اكتشف نظرية العصبية وما لها من أهمية في تأسيس الدولة.


تحميل كتاب منطق ابن خلدون pdf برابط مباشر على موقعنا مكتبة اقرأ كتابك. اضغط هنا لتحميل الكتاب.


قراءة كتاب منطق ابن خلدون pdf مباشرة أونلاين بدون تحميل على موقعنا. اضغط هنا لقراءة الكتاب.

كتابة تعليق