في الأعوام الأخيرة شهد البشر حالات من تفشٍّ لفيروسات خطيرة ومميتة ولعلها أخرها فيروس الكوليرا المنتشر في مناطق من الشرق الأوسط. ولا ننسى قبله فيروس كورونا الذي قضى على الآلاف من البشر في العالم. وأيضا فيروس نقص المناعة البشري وحمى لاسا وسارس وأنفلونزا الخنازير. وغيره الكثير من الفيروسات التي فتكت بالعالم. وحتى لحظة كتابة المخلص العالم في بحث عن فيروس وطرق الوقاية منه مستمر.
دعونا قبل الخوص في كتاب الفيروسات لـ أستاذة (دوروثي إتش كروفورد) بجامعة إدنبره University of Edinburgh في المملكة المتحدة، في الميكروبيولوجيا (الأحياء الدقيقة)
أن نوجه كل الشكر والتقدير لمؤسسة هنداوي التي أتاحت لنا الكتاب المترجم بشكل مجاني على موقعها.
الفايروسات مقدمة قصيرة جدا تأليف دوروثي إتش كراوفورد
يصعب عليك هذه الأيام أن تجد إنسانا. لا يذكر كلمة فيروس مرة واحدة في اليوم على الأقل، بل تكاد تجزم أن شيئا لم يستطع إرهاب البشرية في وقت واحد كما فعلت الفيروسات بها. فما ما هو الفيروسات؟ متى ظهرت viruses؟ وكيف تنتقل بين الناس؟ وما هي سبل الوقاية منها؟ يأخذك هذا الكتاب ليسرد عليك الأسئلة كافة ثم إجابتها المقلقة والتي لم تكتمل بعد.
تسبب الميكروبات رغم صغر حجمها العديد من الأمراض التي قد تكون مميتة
لم يؤمن الناس قديما بأن المسببات الحقيقية للأمراض هي كائنات حية دقيقة الحجم. وكانوا يؤمنون بأن ما تتسبب بها. هي إرادة الآلهة وغيرها. أما العلم الذي يرفض الخرافات ويقبل الحقائق فقد ساهم في اكتشاف ما يسمى بالنظرية الجرثومية، والتي تفترض أن الميكروبات هي سبب العديد من الأمراض. بفضل صانع العدسات أنطوني فان ليفينهوك Anton van Leeuwenhoek. لأنه أول من شاهد الميكروبات في القرن السادس عشر.
كما قام العالمان. لويس باستور Louis Pasteur، وروبرت كوخ Robert Koch. بتأكيد أن الجراثيم هي سبب الأمراض المعدية. وحاز لقب الأبوين المؤسسين لعلم الميكروبيولوجيا Microbiology أي علم الأحياء الدقيقة.
لكن هل تعرف كيف علمنا بوجود الفيروسات؟ في الواقع ترجع القصة إلى القرن التاسع عشر عندما انهار اقتصاد هولندا القائم على تجارة التبغ بعدما ظهرت على نبات التبغ بقع غريبة. فما كان من العالمي أدولف ماير Adolf Eduard Mayer مدير محطة التجارب الزراعية في هولندا، إلا أن قام بتجاربه التي استنتج منها أن النبات مصاب بمرض معد، وذلك بعد اكتشافه أن عصارة ورقة تبغ مصابة، يمكنها أن تنقل المرض إلى ورقة سليمة. وأطلق على مسبب المرض ميوازيك التبغ Tobacco mosaic.
ولاحقا بحث علم الأحياء ديمتري إيفانوفسكي Дмитрий Иосифович Ивановский. وراء هذا المرض، واكتشف أن مسببه يمر عبر المرشحات التي تحتجز البكتيريا. كما توصل عالم آخر وهو مارتينوس ويليام بايرينك Martinus Willem Beijerinck، إلى أن المسبب الذي يمر عبر فتحات المرشح يبقى على قيد الحياة. وهكذا عرف أنه ميكروب حي وصاغ له اسم فايروس المشتق من كلمة لاتينية تعني سماً. ساعدنا المجهر الإلكتروني عام ألف وتسعمئة وتسعة وثلاثين في التعرف على تركيبة الفيروسات، فعرفنا أنها ليست خلايا وإنما جسيمات.
تتكون من غطاء بروتيني يحيط بمادته الوراثية ويحميها، ويطلق على التركيب فيرون والغلاف الخارجي كابسيد، وهو موجود بأشكال وأحجام متنوعة تشير إلى عائلة الفيروسات التي ينتمي إليها. إن المادة الوراثية هي إما. (dna or rna) اعتمادا على نوع الفيروس وفي داخلها تظهر جينات الفيروسات التي تحمل شفرة تصنيع الفيروسات الجديدة. وتنتقل الخصائص الموروثة من جيل إلى آخر.
باستعارة عضيات من خلية ما كي تصنع بروتينها لتخلق فيروسات جديدة من نفس نوعها. ولأنها لا تستطيع تصنيع بروتينها دون الاعتماد على الغير، فهي لا تعد كائنات حية. وعلى الرغم من قدم الفيروسات إلا أننا لا زلنا نكتشف فيروسات جديدة لم نكن نعرفها. و معلومات عن الفيروسات كان العلم يجهلها.
تعيش الفيروسات بمختلف البيئات والظروف وتلعب دورا هاما باستمرارية الحياة
تقدر أعداد الفيروسات بمئة مليون نوع مختلف، استطاعت جميعها العيش في البيئات الصعبة. وتلعب الفيروسات دورا مهما في الحفاظ على الحياة في المحيطات وفي اليابسة على حد سواء. ففي المحيطات تقوم بإنتاج نصف الأوكسجين الموجود في العالم عوضا عن أنها تعتبر جزءا مهما من السلسلة الغذائية. أما في اليابسة فهي تساعد في العلاقة التكافلية بين الفصيل البكتيري وعائلة. كما أنه في الوقت الذي ما زال فيه مجهزون المناعي يطور وسائل دفاعية يحمي بها نفسه من هجمات الفيروسات، فإن الفيروسات هي الأخرى لا تتوقف عن التطور.
إذن كيف تنتقل الفيروسات؟ إنها تنتقل عن طريق الهواء أو تلوث الطعام والماء، أو من خلال امتطاء ظهور الحشرات كي تنتقل عن طريقها من عائل إلى آخر. كما قد يساعد خدش الجلد على انتقال الفيروسات إلى الجسم، فمثلا تدخل فيروسات من خلال الثآليل وبثرة البرد، وهناك بعض الفيروسات التي تنتقل من عائل إلى آخر عن طريق التلامس. وبعضها ينتقل عبر الاتصال الجنسي أو المسالك البولية أو من خلال الأدوات الجراحية أو عملية نقل الدم، أو بسبب الحيوانات البرية التي نتطفل على بيئتها أو من نصطادها، مما يسبب انتقال الفيروسات لنا بسبب تلوث الدماء.
يحمينا جهازنا المناعي من تغول الفيروسات بطريقتين مختلفتين. تعد الأولى طريقة غير متخصصة ولكنها سريعة الاستجابة، أما الثانية فهي أبطأ ولكنها قوية ومتخصصة وتقوم بتذكر الفيروس من المرة الأولى فتمنعه من الاختراق في المرة القادمة، حيث تقوم الخلايا بردة فعل في الموقع الذي يخترق منه الفيرس. وتنتشر العدوى عبر إرسال إشارات كيميائية تجعل الخلايا المحيطة مقاومة للعدوى. وكنوع من مضادات الفيروس.
وفي نفس الوقت يتأهب جهاز المناعة فيجذب خلايا الجهاز المصاب نحو المنطقة المصابة. وأول ما تصل منها إلى ساحة المعركة هي الخلايا متعددة الأشكال، وبجانبها خلايا ملتهمة كبيرة تلتهم الفيروسات والخلايا المصابة. كما ترسل أيضا إشارة كيميائية كي تجذب قوات الطوارئ معها الخلايا اللمفاوية التي لا غنى عنها في عملية استجابة الجهاز المناعي عند الإنسان.
الفيروسات الجديدة التي تصيب البشر ليست جديدة تماما. وباللقاح المناسب يتعافى المريض
إن الفيروسات الجديدة التي تصيب البشر ليست جديدة تماما، فهي إما فيروسات أصابتها طفرات، أو أنها قامت بإعادة تشكيل نفسها كي لا يتعرف عليها جهازنا المناعي. تتسبب الفيروسات التي تظهر وتنتشر في مجتمع عائل غافل في حدوث وباء وهو عدوى تحدث بمعدل تكرار أعلى من المعتاد. وتختلف كل عائلة فيروسات عن الأخرى بـنمطها العام مثل فترة حضانتها وطريقة انتشارها وطبيعة العائل.
فلو نظرنا مثلا إلى فيروس نقص المناعة البشري. وفيروس سارس. فسوف نجد أن نوبات تفشي سارس كانت بالغة القصر وحادة ولم تستمر إلا بضعة أشهر. على عكس فيروس نقص المناعة البشري الذي بدأ منذ عقود ولا زال موجودا حتى يومنا هذا.
من الممكن أن تختفي الفيروسات الخطيرة المعدية بمساعدة التحصين الفعال. فحتى ستينيات القرن العشرين كانت الغالبية العظمى من الأطفال تعاني من حميات الأطفال الفيروسية المعتادة مثل حمى الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية. ولكن أدى انتشار برامج التطعيمات إلى جعلها نادرة.
كما عزز ذلك من مناعة الجسم المصاب ضدها بعد تعافيه منها. يصاب غالبية الناس بنزلتي برد أو ثلاث كل عام، ولا يعني هذا وجود خلل في مقاومة الجهاز المناعي البشري، لأن الفيروسات التي تسبب أعراضا مثل احتقان الحلق والعطس والسعال والصداع وانسداد الأنف متنوعة وكثيرة. ففيروس نزلات البرد يتشعب إلى 100 نوع مختلف.
الفيروسات المستديمة طفيليات بارعة في التكيف مع أسلوب حياة عائلها
تنجح بعض الفيروسات المسماة بالفيروسات المستديمة في الهرب من شباك جهاز المناعة لتستحوذ على جسم الإنسان. وتعيش في داخله فترة طويلة. وتتميز بعض هذه الفيروسات بكونها مسالمة. مثل فيروسات الهربس. أما بعضها الآخر فهو فتاك مثل الفيروسات القهقرية وفيروسات نقص المناعة البشرية. وهناك فيروسات أخرى مثل فيروس HBV الالتهاب الكبدي B والتي تناضل في سبيل فرصة تقضي بها على عائلها أو أن يقضي عليها العائل بنفسه.
لكن قد تتسبب الفيروسات المستديمة بتحويل خلية سليمة إلى خلية سرطانية مثل فيروس T الليمفاوي البشري والالتهاب الكبدي B وC وفيروس إبشتاين بار Epstein barr virus، وفيروسات الورم الحليمي. والفيروس المرتبط بسار كوما كابوسي، وهو نوع سرطان يظهر في بطانة الدم والأوعية اللمفاوية. تعتبر الفيروسات المستديمة طفيليات بارعة التكيف مع أسلوب حياة عائلها. وعندما يختل التوازن ينشأ المرض الذي قد يصل إلى الإصابة بالسرطان.
وجد أمل لعلاج السرطانات إذا كان سبب الورم فيروسياً
إن الخلايا السليمة في جسم الإنسان الطبيعي منظمة بطبيعته، مما يضمن عدم انقسامها وموتها إلا في الوقت المناسب، بينما ينشأ السرطان بسبب طفرات تغير من وظيفة الجينات الخاصة بعملية التنظيم الحيوية للخلية، فتجعلها إما نشطة تحث على انقسام الخلية أو منخفضة.
تستحث موت الخلية وتؤثر على الخلايا المحيطة بها، وبذلك تسبب ورما قد يتسلل إلى أماكن أخرى. ترتبط ما نسبته عشرة في المئة إلى عشرين في المئة من أورام البشر بالفيروسات. كأورام سرطان عنق الرحم وسرطان الكبد. ويمكن علاج الورم باللقاح أو بالعلاجات المبتكرة إذا كان المتسبب بالورم فيروسا معديا.
بشكل عام، ورغم غلاء تكلفة تحضير اللقاحات ومن ثم اختبارها فإنها تعد من أكثر الطرق الآمنة ومجدية اقتصاديا التي حفظت وما زالت تحفظ أرواح الملايين من البشر. وهناك أيضا لقاحات ما زالت تحت العمل ضد معظم الفيروسات، سواء أكان ضررها بسيطا أم مميتا. لكن المقلق أنه مهما بلغت درجة أمان اللقاحات، إلا أنها لن تكون أبدا بلا أعراض جانبية محتملة.
ماذا عن الفيروسات في المستقبل؟ هل يمكننا التنبؤ بموعد ومكان ظهور فيروس خطير؟ في الواقع يبدو أنها عملية تستغرق وقتا وتكلفة. لكن في حال ظهور فيروس جديد. فسيكون علينا البحث عن جينومه الشريط الوراثي ومن ثم إنتاج لقاح. ومن الأفضل أن نصب اهتمامنا في البحث عن مسببات الأمراض اليتيمة التي لا يعرف سببها إلى الآن، وأن نستمر في اكتشاف الفيروسات باستخدام التقنيات الجزيئية الحديثة لنعرف ما إن كان المرض سببه فيروس أم لا.
فقرة بارزة من الكتاب الفيروسات
إن التطورات العلاجية ينبغي دوما أن تكون مبنية على علم تقدمه لنا البحوث الأساسية التي تضيء أمامنا الطريق حتى نفهم جيدا مجريات المرض. كما أن علينا أن نضع نصب أعيننا دوما التحذير الذي أطلقه عالم الفيروسات جورج كلاين حين قال أغبى الفيروسات يفوق ذكاؤه أذكى عالم فيروسات.
تنتشر الفيروسات في جميع أنحاء الأرض مسببة أمراضا معدية وغير معدية. وكبشر يجب علينا أن نتكاتف بشكل جماعي لتقليل عبء الفيروسات على البشرية، وذلك بدعم الدراسات والأبحاث العلمية المتخصصة وبأخذ الاحترازات وتلقي التطعيمات وتثقيف أنفسنا عن هذا العدو الفتاك الذي لا يكل عن تطوير نفسه ليتغلب على الإنسان.
تحميل كتاب الفيروسات مقدمة قصيرة جدا دوروثي إتش كروفورد PDF برابط مباشر على موقعنا مكتبة اقرأ كتابك. اضغط هنا لتحميل الكتاب.
قراءة كتاب الفيروسات مقدمة قصيرة جدا دوروثي إتش كروفورد PDF مباشرة أونلاين بدون تحميل على موقعنا. اضغط هنا لقراءة الكتاب.
إرسال تعليق