هراء
هراء القوة في عدم المعرفة. اسم الكاتب جيمي هولمز.
حين تمعن النظر في حياتك اليومية سترى أنها تزداد فوضوية وتعقيدا. وبغض النظر عن نوع المشاكل التي تواجهها، ستجد نفسك أمام قدر هائل من الاحتمالات. وبالتالي ستعلق في دوامة من الاضطرابات سواء في التعامل مع الآخرين. أو في تلقي معلومات جديدة كما أنك تمر طوال الوقت.
بالعديد من التجارب الجديدة ويتطور العالم من حولك بشكل سريع وأنت مضطر لمواكبة هذا التطور. بينما تحرص على عدم خسارة أفكارك ومبادئك السابقة في ذات الوقت، الأمر الذي قد يسبب لك شعورا بالضياع وعدم اليقين. فكيف تتجنب هذا الشعور المؤدية للانغلاق على الذات؟ سؤال ستجد جوابه من خلال ما كتبته لنا جيمي هولمز.
بين الوعي واللاوعي
لا بد وأنك مررت بتجارب مختلفة شعرت فيها بـ تعرضك للخداع كـ خداع. ألعاب العقل المختلفة التي تشاهدها على التلفاز مثلا وتصيبك بالجنون. أو عندما تظن أنك رأيت صديقك يجلس في مكان ما اعتدت على رؤيته فيه.
لماذا تحدث لنا هذه الأمور؟ ما السبب في أنك ترى أمورا غير موجودة في الحقيقة؟ الأمر ببساطة مرتبط بطريقة عمل أدمغتنا. فمنذ مرحلة الطفولة يعمل الدماغ بشكل مستمر على جمع أكبر قدر من المعلومات حوله. ويبني من خلالها قاعدة من المراجع التي يعود إليها باستمرار حين يواجه أمورا للمرة الأولى. كما يكره الدماغ المرور بأشياء معقدة أو غير منطقية. لذلك دائما ما يعمل على ربطها بأمور مألوفة. نحن نرى الأشياء التي نتوقع رؤيتها حتى ولو لم تكن موجودة.
ويلغي الدماغ الكثير من المعلومات التي لا نحتاجها في حياتنا اليومية. ويركز فحسب على ما نحتاج إليه. وهذا شيء يجعل من حياتنا أكثر بساطة. فهو يسيطر على الكم الهائل من المدخلات التي نتعرض لها طوال الوقت. وينقذها من تدفق المعلومات غير المحدود. الذي قد نواجهها في كل يوم. كما تبرع أدمغتنا في ملء الفجوات بناء على تجاربنا السابقة، وتعتبر مفاهيمنا المسبقة ذات أهمية كبيرة لفهم الأشياء والتخطيط واتخاذ القرارات يحفز الارتباك.
أدمغتنا على البحث عن أنماط جديدة والعمل على إيجاد روابط ذات صلة. الارتباك والاضطراب تجارب غير سارة بالنسبة للدماغ. ونحن أصبحنا نواجه مثل هذه. التجارب بشكل أكبر. مع زيادة التطور التكنولوجي. إذ إن زيادة كم المعلومات المتدفقة وسرعتها يضعنا طوال الوقت أمام خيارات صعبة تصبح حتى أبسط قراراتنا أكثر تعقيدا نتيجة لزيادة الخيارات المتاحة. أمامنا، مما يجعلنا نغرق في المعلومات ويزيد من مرورنا بتجربة عدم اليقين. ولكن ولحسن حظنا تمتلك أدمغتنا موهبة تحويل العالم الفوضوي. إلى عالم أكثر وضوحا ومنطقية.
استخدام الغموض في الفكاهة
حين تنظر للإحصائيات ستجد أن أكثر الكتب مبيعا هي الكتب البوليسية وكتب الغموض التي تحاكي العقل، كما ينطبق هذا على الأفلام الأكثر شهرة، إذ يميل العقل في بعض الأحيان نحو هذا النوع من التحديات في الغموض وعدم اليقين. لا يرتبط التعامل معهما بالذكاء. هو تحد عاطفي، حيث تكمن اللذة في إعمال العقل على الكشف عن هذا الغموض، فتذكر كيف كنت تشعر حين تقوم بحل الكلمات المتقاطعة في الصحيفة، أو حين تنتهي من تركيب قطع أحجية. ما وتكتمل أمامك الصورة. هذا الشعور ناجم عن الرضا عن ذاتك في عملك. جرب ممارسة هذه الخدعة مع زبائنك ووضع لغزا أو أحجية ما أمامهم.
ضع فضولهم يدفعهم نحوك، وحين يقومون بإيجاد الحل سيشعرون بطريقة أفضل نحو أنفسهم. مما سيجذب حبهم للعمل معك. كما أن هذه الخدعة تفلح في مجال الكوميديا أيضا حين تستخدم كلمات تحمل أكثر من معنى أحدها ساخر. سيضيف هذا الأمر نكهة من الفكاهة لكلامك. الفكاهة تعتمد بشكل كبيرعلى عنصر المفاجأة وتحويل المتوقع إلى شيء مختلف. يصدم العقل الحسية للشخص المقابل على. نحو يدعم من قوة. النكتة ويدفعه للضحك بشكل أكبر.
وقد نواجه هذا أحيانا حين نركز في كلام الأطفال. لو لاحظت طريقة فهم الأطفال. لظاهرة ما ستجد أنهم يربطون هذا بكيفية عمل العالم المحيط. بهم، فيحاولون جعل الأمور تبدو أكثر. بساطة ومنطقية مما يدفعهم. لتحويل كلمات معقدة لمفاهيم بسيطة. لم تخطر في بالنا من قبل. وهذا سيدفعك في كثير من الأحيان إلى الضحك على كلامهم، فهم استخدموا الكلمات. وحتى الأفكار المتداولة بمفهوم مختلف يدعم فهمهم وطريقتهم هذه لا تختلف البتة عن طريقة عمل دماغنا. إلا أن التفكير المتطور يحتاج. لمرونة أكبر ليعالج التناقض الذي قد نواجهها ويحافظ على مفاهيمنا السابقة، بينما يكسب معارف جديدة في الوقت نفسه.
تعريف التنافر المعرفي
التنافر المعرفي هو مفهوم كلاسيكي يعني تجربة شيئين متناقضين كل الأفكار والمعتقدات والرغبات المتناقضة التي تراودك تجاه شخص ما. وسواء أكان ذلك سلوكا أو فكرة كثيرا ما نتعرض لهذا المفهوم في حياتنا اليومية خاصة فيما يتعلق بالتناقض بين العادات والتقاليد من جهة، والرغبات والسلوك من جهة أخرى. هذه التجارب تؤدي للقلق والاضطراب غير المحبب للدماغ الذي يعمل على حل هذا القلق بتغيير آرائنا بما يتماشى مع تجاربنا أو معتقداتنا السابقة.
كما يحدث هذا حين نقوم بعمل ما نعتقد أنه خاطئ مما يحفز شعورنا بالمسؤولية ويدفعنا لتغيير معتقداتنا بما يتماشى مع أفعالنا. فنحن نحل التنافر المعرفي عن طريق تغيير أفكارنا ومعتقداتنا. بسبب رغبتنا الدائمة لتحقيق شعور الرضا عن النفس والحفاظ على الذات الإيجابية. نلجأ دوما لما يسمى بالأنا الدفاعية والتي تعمل على حل الانزعاج من الصراعات الداخلية بتغيير موقفك تجاه الأمر الذي يسبب هذا الصراع. بما يدعم رضاك عن نفسك. فالدماغ يفضل التناسق والتسلسل في كل شيء. وحين يحدث خطأ بين ما يجب أن يكون، وما قد حدث فعلا سنشهد طفرة في الدماغ.
حيث ترسل إليه إشارة بحدوث خطأ. وهذه الإشارة قد لا ندركها في وعينا فنجد أنفسنا أكثر يقظة وحماسا للبحث عن معلومات جديدة تعالج هذا الشعور بالخطأ. ترتبط هذه العملية بشيء يسمى نظام النهج السلوكي إذ يعمل هذا النظام على حل ما نمر به من صراعات عقلية. ويمكن اختصار الأمر في خطوات بسيطة تبدأ بملاحظة خطأ ما، ومن ثم زيادة اليقظة وتغيير المعتقدات. وأخيرا التأكيد على أنفسنا بأن هذه هي معتقداتنا الأصلية.
وهذا ما يفسر استنزاف قوة الإرادة، فحين تصل لمرحلة معينة تتنازل فيها عن معتقد ما تبدأ بإقناع نفسك أنه لم يكن ما أردته بالأساس، مما يسهل عليك تركه دون أن. تفقد رضاك عن نفسك. والكثير من سلوكياتنا اليومية يمكن تفسيرها بناء على هذا المفهوم. فنحن نعمل طوال الوقت على معالجة عدم اليقين والاضطراب وخسارة الرضا الذاتي عن طريق التلاعب بعقولنا ومفاهيمنا الأساسية.
تأثير الإغلاق على الأحكام المسبقة
إن دماغ البشرية يعمل بأسرع شكل ممكن للتوصل إلى نتائج من خلال. المدخلات التي تلقاها ثم يحاول الحفاظ عليها، وهذا ما يسمى بظاهرة الإغلاق التي يمكن لها أن تفسر العديد من المواقف التي نمر بها. فمثلا عند مقابلتك لشخص ما للمرة الأولى ستجد نفسك تكون. عنه فكرة بناء على انطباعك الأول عنه. وهذه الصورة ستلزم بك لفترة طويلة. يعد الإغلاق مفيدا في بعض الأحيان. إذ ينقذنا من اتخاذ قرارات متسرعة قد نندم عليها لاحقا. ولكنه من ناحية أخرى قد يؤدي إلى تضييع بعض الفرص المتاحة. كما يمكن أن يدفعنا للحكم المسبق على الأشياء.
لهذا يجب الحذر من هذه العملية وجعلها ضمن نطاق الوعي الخاص بنا. لذا عليك الخوض في بحثك عن إجابات وتفسيرات لـ أسئلتك المختلفة ومعرفة الوقت المناسب. للتوقف قبل القيام بتصرفات تؤدي بك إلى الندم لاحقا. إن الإنسان أكثر عرضة للامتثال نحو الأيديولوجية المحافظة. إذ إن المعتقدات المحافظة بحكم تعريفها تميل لأن تكون أكثر تنظيما. فنحن نمتلك الرغبة في النظام والغموض والاضطراب.
كما نكره الأسئلة التي تحتمل إجابات مختلفة، ونشعر بعدم. الارتياح عندما لا نفهم. سبب حدوث واقعة ما. أو عندما نخوض في تجربة شيء لا نعرف ماذا نتوقع منه فلا يميل نحو الروتين لنجد الراحة عند اتخاذ القرارات. هذه المشاعر كلها ناجمة عن الحاجة إلى الإغلاق. وهذه الحاجة تختلف من شخص إلى آخر. فكلما ارتفع الميل نحو الإغلاق كان الشخص أكثر تعلقا بالبساطة وإيجاد الحلول. ويفضل الابتعاد عن الشذوذ والغموض.
تأثير التنوع الثقافي على الإبداع
إن التنوع الثقافي يدفع المرء نحو الإبداع وخارج عالمه المحدود ويحثه على رؤية العالم بطرق مختلفة. كما أن الاستيعاب العميق للثقافات الأجنبية يجعل الناس أكثر قدرة على إيجاد الحلول وأكثر ميلا نحو الابتكار. ومن الأمور الأخرى التي تنمي الإبداع تعدد اللغات. فقد أوجدت الأبحاث أن تعدد اللغات. يزيد من القدرة على التركيز، بالإضافة إلى القدرة على تثبيت المعلومات السابقة مع الاحتفاظ بها، مما يحفز القدرة على العمل بأكثر من شيء واحد بذات. الوقت.
يستمد الفنانون والعلماء العظماء إلهامه من التناقضات، إذ إنهم يضعون سؤالا أو فكرة، ثم يقفون أمام عدد هائل من الاحتمالات. التي قد تحوي حلولا وإجابات لتساؤلات. فلا ينكر العلماء التناقضات بل يعملون على فهمها وتسخيرها لصالح أعمالهم. وهذا لا يعني عدم امتلاكهم لأراء ومبادئ يتمسكون بها. ولكن مبادئهم هذه مرنة تتناسب مع المتاح أمامهم. التناقضات هي غذاء لفهمهم وابتكاراتهم. والفكرة تكمن في الشعور بالراحة تجاه التناقضات والسماح بجمعها في قفص واحد. وتتجلى العظمة في القدرة على التوفيق بين هذه التناقضات والصراعات.
الجدير بالذكر أن الحاجة للإغلاق تؤذي الإبداع، فالإبداع ينتج بشكل رئيسي عن احتضان الثقافات الأخرى والتنوع والخيال، لذا عليك الحفاظ على عقل متفتح للوصول إلى الإبداع. وأن تكون أكثر مرونة وتعاطفا مع الآخرين وأفكارهم. ولا تنسى أن التناقضات هي وقود الخيال البشري، إذ إن الإبداع هو رد الفعل للتناقض الذي يحفز الاستيعاب. كما أنه شكل من أشكال تلطيف الحقيقة، وهو تصوير للصراعات التي لا يمكن حلها أو فهمها بشكل مختلف.
الخاتمة من كتاب هراء
يوجد لظاهرة الإغلاق العديد من الجوانب السلبية. والتي تتمثل بتأثيرها على الإبداع، إلا أن لها بعض الفوائد في حال تم استغلالها بشكل واع. فهي تمنعنا من اتخاذ قرارات متسرعة. وبالمثل يمكن توظيف الارتباك في التعلم إلى الفشل، فهو يساعدنا على جمع الكثير من التفسيرات لطريقة عمل دماغنا. ويربطها بما يدعم فهمنا لأنفسنا. ويجعل الظواهر المحيطة بنا أكثر وضوحا. فمع تزايد التعقيدات من حولنا نجد أن المهمة ليست ذكاء بقدر الطريقة في التعامل مع ما نجهله.
إرسال تعليق