ماكس فيبر- و بصمته في علم الاجتماع

+ حجم الخط -

ماكس فيبر

يرى علماء الاجتماع أن ماكس فيبر هو أذكى من عمل في هذا المجال دون منازع. هذا على الرغم من عدم تفضيله هذا الوصف. فقد فضل أن يوصف بـباحث تاريخي، لكن بصمته في علم الاجتماع لا يمكن تجاهلها أو الانتقاص من قدرها. فمن فهمه لمجريات التأريخ وتطبيقها على الواقع العملي، تمكن من إلقاء الضوء على العديد من المتغيرات التي حصلت في القرون الأخيرة والتي قلبت النظم البشرية رأسا على عقب. 


حيث زعم أن الحقائق الإنسانية كالدين والاقتصاد والسياسة والاجتماع كلها مرتبطة ببعض، ولا يمكن فهم أحدها بمعزل عن الآخر، فهو لا يرى البشرية من منظور الصح والخطأ الأسود والأبيض، بل كل شيء رمادي حسب رأيه. في هذا الملخص لن نشرح مفهوما واحدا  لماكس فيبر، بل سنسلط الضوء على عدة جوانب من أفكاره، ونتمنى في النهاية أن تتكون لكم نظرة أوضح حول أفكاره وإنجازاته. 


ماكس فيبر- و بصمته في علم الاجتماع


الدين والاقتصاد من منظور ماكس فيبر


أهم عمل اشتهر به ماكس فيبر، اقتراحه وجود علاقة بين علم الاجتماع الاقتصادي والاجتماع الديني، حيث يشرح في كتابه الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية أن المسيحية البروتستانتية وبالأخص الكالفينية والتي ظهرت في شمال أوروبا في القرن السادس عشر قد غيرت تاريخ البشرية كله. فمن ضمن تعاليم هذا المذهب الجديد هو أن الخطيئة الأولى لآدم تورث إلى نسله، وعليه فإن الله أنزل الإنسان على الأرض لسبب. 


وهو لكي يعمل لا ليتمتع. الله عز وجل، حسب البروتستانتية. لا يحب الكسل أو مضيعة الوقت ولا يحب الترف، بينما قساوسة الكاثوليكية لهم أن يغفروا بعض الذنوب. لذلك عبء الذنب يكون أخف. في البروتستانتية علاقة الإنسان مع ربه مباشرة وهو وحده الذي يغفر الخطايا، وكل شيء سيظهر على حقيقته يوم القيامة. وعلى الإنسان الكد والتعب والعمل ما دام حيا. حتى يأتي أجله.



سماها بأخلاق العمل البروتستانتية لذلك رأسمالية في صميمها ومتمحورة حول العمل المستمر دون كلل أو ملل. هو باعتقاد ماكس فيبر أحد إنتاجات الدين. الموضوع أعقد من هذا. ونحن نختصره لكم بشكل كبير. لكن لنعرض لكم مثال مبسطاً. الفرد يعمل لكي يكسب المال. ولاحقا يوسع عمله. لكن في النهاية يحاول الاستفادة من المال الذي كسبه خلال سنوات تعبه، كأن يبني منزلاً فاخراً أو أن يحظى بحضور اجتماعي أو حتى أحياناً أن يصبح من النخبة. 


ربما هذا أقصى ما يمكن الوصول إليه. هذا ما عهده العالم أجمع منذ أول مجتمع بشري على وجه الأرض. في الرأسمالية لا يحصل هذا الأمر، فبعد كسب المال لا يجوز إنفاقه على وسائل الترف، بل ما تم كسبه من أرباح يجب أن يدور وأن يستثمر من جديد. وإن سنحت الفرصة يوسع هذا الاستثمار إلى مجالات أخرى. وبالتأكيد الموضوع لا يقتصر على علاقة الدين بالتجارة، فهذا الأمر ألقى بظلاله على الجانب الاجتماعي أيضا، حيث أزاحت الطبقة المتوسطة، الأشراف والنبلاء جانبا. 


وأصبح في الواجهة نوع جديد من النخبة الذين لا يعترفون بـالحسب والنسب بل يحكمون بالمال والمؤسسات. وهو كما قلت ما قلب النظام الاجتماعي البشري رأسا على عقب وألقى بظلاله على كل العالم، وسنشرح عن هذا الموضوع أكثر في الفقرات اللاحقة، ولا مفر هنا من مقارنات فكرة ماكس فيبر مع فكرة كارل ماركس Karl Marxحول علاقة الدين بالرأسمالية، فقد قال ماركس أن المنظومة الاقتصادية هي التي ولدت لاحقا المنظومة الميتافيزيقية المتمثلة في الدين. لذلك السهم يتوجه من اليمين إلى اليسار. فيبر قال أن العكس هو الصحيح أن المنظومة الدينية هي التي أثرت وأعطت للاقتصاد شكله ولذلك السهم يكون من اليسار إلى اليمين.


مفهوم العلم لماكس فيبر

أكد ماكس فيبر على أن علم الاجتماع هو علم. ومن أجل ذلك تطبق عليه الأساليب العلمية في البحث. وعمودها الأساس هو الحيادية. إحدى مشاكل زمانه في المجال الأكاديمي كانت أن العلماء والباحثين والأساتذة الجامعيين كانوا بشكل أو بآخر يسلطون معتقداتهم ويقيمون نتائجهم بناء على منظور معين، لذلك كانت أفكارهم ودروسهم تفتقر إلى الموضوعية، وكانت تتملق للنظام الحاكم أكثر من كونها علماً. الأستاذ إذا ألقى  محاضرة ما هو مجرد ناقل للعلم فمن غير المقبول أن يفرض رأيه أو معتقده على طلابه . هذا بالنسبة لماكس فيبر، وسوء استخدام للسلطة الموكلة إلى الأستاذ أو المعلم.


فالعلم يشرح في الأساس كيف هو الواقع وليس ما يجب أن يكون عليه. وإذا حاول أحدهم أن يفرض رأيه حتى لو كان من موقع السلطة، فهو ليس عالماً تستطيع أن تسميه سياسيا أو واعظاً أو مصلحاً. لكن ليس عالماً هذا المفهوم في الحيادية العلمية أسماها ماكس فيبر بعلم الاجتماع، الغير منحاز أو كما يترجم حرفيا من الألمانية العلم المنزوع من القيم wertfrei. وإذا أردنا أن نقولها من وجهة نظر فلسفية فنقول القيم الحيادية أو الاكسيولوجيا الحيادية، فإذا كنت تحاول أن تكون علمياً.


عليك قبل أن تشرع في العمل أن تكون علمياً، أي أن تطرح الأسئلة الموضوعية أولا، وأن لا تسيء استخدام موقعك في البحث لتجمع بيانات منحازة إلى جهة معينة أو تتغافل عما لا يعجبك. عليك أن تتخلى عن جميع التوقعات وتتقبل النتائج التي ستردك، وأدرك جيدا أن هذا موضوع شائك ومعقد، وهذه الشفافية في المنهاج العلمي لا تحصل دائماً. وحتى في الدول المتقدمة نجد أن بعض النتائج تكون منحازة لأيديولوجية أو لوبي معين أو عندما تكون مصالح الشركات والأعمال على المحك.


الفعل الاجتماعي ام التصرف الاجتماعي؟


أول سؤال تسأله لصاحب اختصاص ما هو تعريفك الأساسي لـمجالك؟ بالنسبة لماكس فيبر، فقد عرف علم الاجتماع على أنه الفعل الاجتماعي بقوله علم يحاول إيجاد التفسير للفعل الاجتماعي من أجل الوصول إلى تفسير سببي لمساره وتأثيراته. وتجنب قول التصرف الاجتماعي وفضل كلمة الفعل الاجتماعي. فما نعمله وما نفكر به يأتي من دوافع وهذه لها أساس اجتماعي تختلف في طبيعتها بين مجتمع وآخر، وأغلب أفعال الفرد تأتي من علاقاته مع أقرانه في المجتمع. 


ركز ماكس فيبر كثيرا على التفريق بين الموضوعية والشخصية في أبحاثه. مثال على ذلك عندما يهطل المطر تتصرف بشكل معين كأن تحمل مظلة أو أن تضع يدك فوق رأسك. هذا تصرف لكن الفعل هو عندما تصادف شخصاً آخر هل ستصافحه أم ستلقي عليه التحية من بعد؟ هل ستتجنبه. إذا كان هناك اثنان يمشيان على الرصيف سيحاولان أن لا يتصادما. فكلاهما يغيران مسارهم.  في أبسط صورها هذه أفعال اجتماعية، فالمجتمع ما هو إلا هذه العلاقات والتفاعلات الفردية. لذلك علم الاجتماع لماكس فيبر. هو دراسة هذه الأفعال واختلافها بين الأقوام وتبريرها من منظور سلسلة المسبب والنتيجة. كانت هذه محاولة جادة لإيجاد همزة الوصل بين نظامين علميين مترسخين في الدراسة الأكاديمية.


 العلوم الإنسانية والتطبيقية برأي ماكس فيبر


اعتقد ماكس فيبر أن علم الاجتماع هو الجسر الرابط بين هذين المجالين واللذان لم يتوافقا تماما حتى يومنا هذا، فقد استعار عناصر من الطرفين للخروج بأفكار جديدة. فالعلوم الإنسانية تؤول بينما العلوم التطبيقية تشرح، الأولى تبحث في المجالات المعقدة والتي تؤثر على سلوك الشخص. أما الثانية تختزل كما ذكرناه قبل قليل إلى سلسلة الأسباب والنتائج.


نحن في النهاية كلنا بشر ونحن نحاول أن نفهم البشر لذلك أفضل طريقة لدراسة البشر هو أن تحاول أن تضع نفسك مكان من تدرسهم. كشخصية تاريخية مثل ستالين. لماذا قام بهذا الفعل أو ذاك؟ دراسة البشر لا تقتصر على البحث في الشخصيات البارزة بل حتى تلك الاعتيادية البسيطة. فكر الآن في أمثلة عشوائية كطريقة تفكير. راعي غنم عاش في اليمن قبل الإسلام. فكر في الوضع النفسي لأي مزارع ألماني بعد الحرب. 


عملية المحاكاة هذه أسماها ماكس فيبر verstehen ومعناها الفهم. هذه أول خطوة في الدراسة ومن بعد verstehen. تضع نظرية تفسر سلسلة أسباب ونتائج هذه التصرفات ومن ثم لاحقا التدقيق في هذا كله من خلال جمع بيانات تاريخية متفرقة. إذنً منهجية ماكس فيبر في الدراسة هي ثلاثة خطوات الفهم. وضع النظرية اختبار النظرية، وهذا المنهاج أصبح الطريقة التي يعتمد عليها علم الاجتماع ككل في دراسة المجتمعات البشرية.


المنهجية الفردية لماكس فيبر


على عكس إميل دوركايم David Émile Durkheim. اهتم ماكس فيبر بالجانب الفردي للمجتمع. إذا ناقشنا المذاهب الدينية أو الأنظمة السياسية أو الاقتصادية، فعلينا أن لا ننسى أنها مؤسسات متكونة من أفراد. ففي المحصلة نحن لا نرى أو نتلمس أيديولوجية، بل نتعامل مع الأفراد المنتمين لها وتأثيراتها عليهم، فالمجتمع بالنسبة لي فيبر ليس أكثر من الأفراد الذين يكونونها.


وكما قال عندما نحاول أن نتلمس شيئا محسوسا فلن نجد سوى الأفراد وما بينهم لا شيء سوى الفراغ. لم تتوقف المقارنة حتى هذا اليوم بين فكرتي هذين العملاقين دوركايم وفايبر، فالأول عرف بالشمولية والاجتماعية والثاني بالمنهجية الفردية لم يصدف أن تقابلا لمناظرة أو حوار ربما بسبب الأوضاع المتوترة التي سادت أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى.


عصر التسويغ من وجه نظر ماكس فيبر

بالنسبة لماكس فيبر، فإن التغييرات السريعة التي حصلت في القرون الأخيرة لم تكن تتعلق أبدا بالثراء أو توزيع وسائل الإنتاج، بل اعتقد أن التغيير الجذري في العالم هو التوجه نحو العقلانية أو التسويغ، حيث أن كل الثوابت والآراء القديمة أصبحت تخضع للمساءلة حول جدواها وشرعيتها. نذكر بما قلناه الفرق بين ما عليه العالم وبين ما يتوجب أن يكون، لكنه أكد في نفس الوقت على أن الطبقية الاجتماعية لن تزول أبدا، بل ستستبدل النخبة بين جيل وآخر.


ودائما هناك طبقة وسطى وأخرى أقل منها. لكنه وضع ثلاثة نقاط اعتقد أنها سمات عصر التسويغ الذي نعيشه في زماننا. القابلية للحساب كل شيء يجب أن يكون محسوبا لتجنب الأخطاء. التصرف المنهجي يجب أن يكون العمل ضمن نموذج معياري موحد التفكير. وهو التفكير في كل ما يحصل ويشمل العمل والوضع المعاشي للعامل وهي النقطة الأهم وكذلك الأقل تطبيقا في أي نظام عمل. إذا كانت هناك مشاكل في أي منها فهو غالبا بسبب النقطة الأخيرة، حيث أن انعدام التفكير يسبب في تفاقم الوضع فيما يتعلق بالإنتاج والوضع الإنساني.


النموذج المثالي في اعتقاد ماكس فيبر


 لماركس فيبر أربعة أنواع مما يسمى النماذج المثالية. لكن علينا أولا أن نستهل المناقشة بالذي كان يقصده بالنموذج المثالي. المثالية لا تعني حصراً الشيء الإيجابي. فمثلا لدى كل واحد منا وجهة نظر معينة عن كيفية عمل الطغيان أو الظلم. أي أن لدينا فكرة مثالية عنها. لكن هذا لا يعني أن علينا السعي وراء تحقيقها. وكذلك لدينا نماذج مثالية أخرى عن طريق عمل الخير والإحسان. عندما يحاول الباحثون وصف ما يدرسونه فإنهم يقترحون نماذج لما يعتقدون أن له تأثير ولا يضعون في نظر الاعتبار ذلك الذي ليس له تأثير.




ولتقريب الفكرة انظر إلى هذا الكاريكاتير بالتأكيد ستميز من هو الشخص المعني.

ماكس فيبر- و بصمته في علم الاجتماع


 بالرغم من عدم تصويره بشكل دقيق، هو نموذج مثالي لصفاته الأساسية والتي تكفي لتميزه عن البقية. 

ماكس فيبر- و بصمته في علم الاجتماع

لذلك نماذج المثالية لا تعبر عن الواقع لأن الواقع معتم وضبابي وفوضوي. كل من بحث في علم الاجتماع كان يقع في فخ أنه يضع نماذج مثالية. فعلى سبيل المثال أوجست كونت Auguste Comte. عندما شرح المرحلة اللاهوتية اقتصر على طريقة وصف واحدة للدين. لذلك كان عمله بعيدا كل البعد عن الحقيقة. كارل ماركس وضع نموذجا مثاليا لماهية الرأسمالية. ولاحقا وضع الحلول لكيفية إدارة الدولة وتوزيع الثروة والإنتاج بناء على هذا النموذج. 


ولهذا السبب الحلول التي وضعها تبين لاحقا أنها غير عملية. ادعى ماكس فيبر أن هذا ليس خطأ بالضرورة، بل هو أمر لا مفر منه. صحيح أن النماذج المثالية نتاج عقلك، لكن عليك أن تدرك أن عقلك محدود، وأن تكون مستعدا لتعديلها مع المعطيات الجديدة. فمثلا عندما ترى أحدهم ينادي بتقليد الغرب اعلم تماما أن مشروعه سيبوء بالفشل لأنه أخذ بـالمثاليات. وبالتأكيد لن يتمكن الإحاطة بكل العوامل التي ساهمت في ازدهار الغرب العلمي والاقتصادي. 


وكذلك إذا درسنا تاريخ الثورات كالفرنسية والروسية أو الكوبية، ستجد أن كلا منها مختلف تماما عن الأخرى من ناحية المسببات والظروف. إذا كان المطلوب دراسة هذه الثلاثة معا يتوجب أولا أن نضع نموذجا مثاليا ومن ثم تغييره باستمرار لحين التوصل إلى القاسم المشترك بينها. وكما ذكرنا في الفقرة السابقة من هذا الملخص، النظرية، اختبار النظرية. كانت لديه عدة نماذج مثالية عن المنطق والبيروقراطية وأنواع السلطة والرأسمالية.


كانت هذه أدوات ساعدته في وضع وصف دقيق لهذه المجالات التي درسها. نشبه الموضوع بالواقع الافتراضي في العالم الرقمي فكل شيء فيه مثالي. لكن علينا لكي تكون لنا نظرة دقيقة إلى العالم الحقيقي أن نجرب نظرياتنا في الواقع الافتراضي لا أن نعيش فيها.


النماذج المثالية لعلم الاجتماع حسب ماكس فيبر

النماذج الأربعة والتي هي الهدف المنطقي، القيم المنطقية، العاطفي التقليدي. 

1-الهدف المنطقي هو عندما تخطط لعمل معين. كالقائد الذي يضع خطة لمهاجمة العدو أو المهندس الذي يصمم أولا المبنى، قبل الشروع في العمل. 


2-القيم المنطقية هي تلك القيم المترسخة والتي تدافع عنها حتى لو كانت على حساب مصلحتك كأن تفتدي بنفسك في الحرب أو عند الدفاع عن قضية معينة. 


3-النموذج العاطفي وهو وكما التسمية الأفعال التي تأتي من العاطفة هذه تكون عادة خارج المنطق كاستعداد أحدهم الدخول في شجار أو مشاحنة حتى لو كان يدرك أن لهذا الفعل نتائج وخيمة. 


4-النموذج التقليدي هو الذي نتعلمه من تقاليد المجتمع الذي نعيش عليه أو ما عاهدنا عليه آباءنا. كمثال إذا كنت معتادا على تناول الطعام بالملعقة. كم سيكون صعبا عليك أن تجرب الأعواد الصينية وتخيل كم من الوقت الذي ستحتاجها لكي تعتاد عليه. 


هذا مثال بسيط جدا. تخيل كم العادات والتقاليد المختلفة بين المجتمعات والتي لا يمكن أن تتوافر. نذكر أن هذه نماذج مثالية بصورتها النقية ولن نجدها حرفيا على أرض الواقع. زعم ماكس فيبر أن العالم الغربي في توجه عام إلى الفعل الاجتماعي من النموذج الأول الهدف المنطقي والبقية في انحسار مستمر. كل ما سنذكر به من الآن وصاعدا يتمحور حول النموذج الأول. 


نماذج السلطة المثالية لماكس فيبر


هناك فرق بين أن آخذ منك شيئا تحت تهديد السلاح وبين أن أطلبه منك. فالأول هو قوة والثاني هو السلطة. يقول ماكس فيبر أن التاريخ يتغير تدريجيا من القوة إلى السلطة. وإذا أخذت هذه السلطة صبغة شرعية سيكون هناك القليل من الاعتراض. لدى ماكس فيبر ثلاثة نماذج مثالية عن السلطة. 


1-السلطة الكاريزمية عندما يكون للواقف أمامك وقار وهيبة. وهو أمر يتميز به بعض البشر. بالتأكيد سيؤثر كلامه فيك. أغلب قادة التاريخ تمتعوا بهذه الخاصية وهي التي أهلتهم ليكونوا ما هم عليه. هذا النوع من السلطة هو الأقدم. 


2-السلطة التقليدية منذ قديم الزمان. وحتى فترة ليست ببعيدة. كانت جميع شعوب العالم تعتبر أن عائلة معينة قد كلفها الله لتطبيق حكمه على الخلق. وعلى الرغم من أن النظام الملكي ما زال مستمرا في بعض الدول، إلا أن هذه السلطة التقليدية لم تعد مؤثرة مثل السابق. فإما أن نظام الدولة أصبح ملكيا دستوريا أو أن دور الملك رمزي فقط. 


3-السلطة القانونية المنطقية هذه هي أحدث أنواع السلطة والأكثر انتشارا في الوقت الحالي. الموظف في المؤسسة أو الشرطي الذي نراه في الشارع. هؤلاء لديهم سلطة علينا فقط لأنهم مكلفون لهذا الواجب وليس لأنهم من الأشراف أو أن لديهم كاريزما. لكننا مع ذلك ملزمون باتباع أوامرهم. 


مرة أخرى نذكر أن هذه النماذج مثالية والواقع يكون أقل وضوحا مما ذكر. لاحظ الآن أن هذه الأنواع من السلطة كل منها يقترن بنموذج اجتماعي من الذي ورد في الفقرة السابقة. وهنا أيضا يعتقد ماكس فيبر أن التوجه العام للسلطة نحو السلطة القانونية المنطقية والبقية في انحسار. لكن لدينا هنا استثناء. فالكاريزما لا تظهر في الأوقات الاعتيادية. 


بل في وقت الأزمات عندما يكون الشعب في حالة من الاضطراب والخوف لا ينفع حينها تطبيق القانون أو العادات أو التقاليد الشخصية. صاحبة الكاريزما هي التي ستتولى دفة القيادة لذلك السلطة الكاريزمية تذهب وتعود باستمرار. مثال على هؤلاء في التاريخ هم نابليون وهتلر. 



ماكس فيبر كان أحد دعاة البيروقراطية سابقاً

السلطة القانونية المنطقية. لم تكن لتنجح لو لم يستحدث نظام جديد في إدارة المؤسسات التي تحوي أعدادا هائلة من العمال وهو النظام البيروقراطي. هذا معروف لدى الجميع إلا أن من المهم التذكير ببعض قوانينه. كل مؤسسات الدولة تتبع نظاما هرميا، حيث تأتي الأوامر من الأعلى إلى أصغر عامل أو موظف، حيث يجب أن تطبق هذه القوانين. ولا مجال للارتجال إلا بعد موافقات. 


لا يقبل للعمل من لم يحصل على مؤهلات خاصة تعترف بها الدولة من مؤسسات تعليمية كل في مجال محدد. يجب فصل الحياة المهنية للموظف عن حياته الشخصية وبخلافه سيعتبر فساداً إدارياً. لا توجد استثناءات أو تفضيل البعض على الآخر والعمل يجب أن يستمر دون توقف. على الرغم من أن البيروقراطية قد ساهمت في التطور الملحوظ في الحياة، وهذا مما لا شك فيه على الرغم من عيوبه، إذ أننا لا يمكننا اليوم أن نتصور كيفية إدارة الشرطة والقضاء والتعليم والصحة بدون تنظيم بيروقراطي. 


وعلى الرغم من أن ماكس فيبر نفسه كان أحد الدعاة إلى هذا النظام وإسهاماته فيه كثيرة، إلا أنه أدرك في نفس الوقت أنها سلبت الكثير من قيمة الحياة لمن يعملون في هذه المؤسسات، حيث أن الفرد المنتمي إلى المؤسسة لن يكون أكثر من ترس في الماكنة الكبيرة. كل شيء يجب أن يكون محسوباً ومنظماً. هذا وكما قال: عنه فيبر، الحداثة أفقدت الكثير من سحر وقيمة الحياة. حياة فيها إنجاز العمل أهم من عيش الحياة نفسها حياة لا مكان فيها للقلب والمشاعر.


هناك اختلاف بين ماركس وفايبر حول هذا الموضوع، حيث زعم ماركس أن فقدان الروح إن صح التعبير هو أحد الأعراض الجانبية للرأسمالية التي نادى بمحاربتها، بينما ماكس فيبر اختلف معه بقوله بأن غلبة المنطق على العاطفة في كافة أركان الحياة هو السبب وليس مسألة توزيع الثروات. والرأسمالية ما هي إلا مؤسسة واحدة من العديد من المؤسسات الأخرى لأي نظام أو مجتمع. 


الانتقادات ضد ماكس فيبر


أحد الانتقادات ضد ماكس فيبر زعمه بأن المنظمات البيروقراطية، كانت قائمة على سلطة قانونية عقلانية أي تكمن في الشغل القانوني للمنصب والكفاءة العلمية. لكن لوحظ من التجربة إن في كثير من الأحيان ليس هذا هو الحال. في دراسة أجريت سنة 1959 على 150 منظمة وشركة لم يتم إيجاد أي ترابط بين السمات البيروقراطية وخصائصها العقلانية. إن السلطة في المنظمات الحديثة مركزية لكن الإمكانيات لا مركزية في الواقع. 


يبدو أن التباينات بين خطوط الموظفين هي حل هيكلي لمأزق السلطة والقدرة وهو الذي تغاضى عنه ماكس فيبر. هناك جدال واسع حول الانتقادات الموجهة ضده. يعتقد الباحثون المعاصرون أن السابقين أساؤوا قراءة ماكس فيبر وشوهوا وجهات نظره. كان فيبر يحدد العقلانية الشكلية التي لم تكن بالضرورة الأمثل للكفاءة. فقد أدرك أن إضفاء الطابع الرسمي يمكن أن يتحول إلى شكلية، وأن الأشكال البيروقراطية تركز السلطة في القمة.


ويمكن أن تتسبب في قفص حديدي لسجن العامل المنخفض المستوى في غموض وتفاصيل رتيبة. وعلى ذكر العمال فإن الأنظمة البيروقراطية قلما تشجع على تنمية قدرات العامل أو الموظف، وإن حصل فعادة ما يكون ضمن نفس الاختصاص. وكأن الإنسان عند وصوله مرحلة البلوغ ويكون عضوا منتجا في المجتمع، وبمجرد دخوله مجالا معينا فإنه قد حكم عليه أن يبقى فيه حتى الموت.


لذلك يكبت الإبداع الذي فيه لأنه ليس مطلوبا منه أن يفكر. بل أن يعمل برتابة فقط. يوما بعد يوم سنة بعد سنة حتى يصبح خاويا من الداخل وشخصية ضعيفة من الخارج. والسبب كما ذكرناه قبل قليل هو الضعف في النقطة الثالثة من مراحل عصر التسويغ. غالبا ما تم انتقاد ماكس فيبر لدعوته إلى نهج wertfrei. المحايد أخلاقيا في العلوم الاجتماعية من ثم إنكاره للإنسان أي علم تجريبيا كان أو عقلانيا، أي معرفة علمية أو فلسفية. للحقيقة هي في الأساس نظام قيم. 


من ناحية أخرى، يشير البعض إلى أن تحليل النوع المثالي لماكس فيبر دفعه إلى تقديم أحكاما قيمية في مناقشته لقضايا مثل البيروقراطية. هناك بعض المبررات لكل من هذه الانتقادات. في الواقع من سمات عمل فيبر أنه يتقبل الانتقادات المعاكسة ليس فقط في هذا الصدد ولكن أيضا في مجالات أخرى. يعترض المؤرخون على تجاهله للظروف التاريخية المحددة التي حدثت في ظلها الظواهر الاجتماعية التي يحللها مما يؤدي به أحيانا إلى الجمع بين الأحداث التاريخية التي حصلت على فترات متباعدة في تصور النظام الاجتماعي. 


في المقابل، يتهمه علماء الاجتماع بأنه مشغول بتفسير الأحداث التاريخية الفريدة مثل الرأسمالية الغربية بدلا من دراسة الظواهر الاجتماعية المتكررة التي تجعل بالإمكان تطوير تعميمات قابلة للتطبيق حول الهياكل الاجتماعية. تعرضت منهجيته للهجوم على أنها كانتون جديد ومفهومه عن الفعل wertfrei. تم استنكاره لأنه يشير إلى طريقة حدسية، وهي ليست المعيار في منهجية البحث العلمي أو الإنساني.


تحميل كتاب مفاهيم أساسية في علم الاجتماع ماكس فيبر.pdf برابط مباشر. اضغط هنا لتحميل الكتاب.

قراءة كتاب مفاهيم أساسية في علم الاجتماع ماكس فيبر.pdf مباشرة أونلاين بدون تحميل على موقعنا مكتبة اقرأ كتابك. اضغط هنا لقراءة الكتاب.

كتابة تعليق